الشاعر والأديب صالح خرفي
في الرابع والعشرين من شهر نوفمبر 1998م غادرنا الدكتور صالح الخرفي إلى جوار ربه، هذا الرجل الذي يحق لنا أن نعده أحد أعلام الجزائر المعاصرين، بما تركه من وقع في المسار الثقافي والعلمي لجزائر الاستقلال، وبما خلد لنا من أعمال وإنتاج فكري وأدبي زاخر يبقى شاهدا على جهوده ومساعيه في سبيل تنوير أبناء الجزائر.
في هذه الذكرى الثانية لرحيل الرجل نرى أنه من أقل واجبنا نحوه أن نقف لحظات مع حياته ومساره، مشيدين بأعماله ومذكرين بجهاده في سبيل دينه ووطنه، حتى نكشف عليه للأجيال الصاعدة ونعرف بشخصيته لتكون مثالا يقتفى ومنهاجا يتبع ومشعلا يستنار به، وحتى لا نتركه لرياح النسيان والتهميش تنال منه كما نالت من الكثير أمثاله من نبغاء الجزائر وأعلامها.
الدكتور صالح الخرفي مثال للطموح الذي يجعل من الإنسان الذي لم يكن شيئا مذكورا إنسانا فعالا مؤثرا وصانعا للكثير من الأحداث التي سجلها التاريخ في دفته بأحرف من ذهب.
في الرابع والعشرين من شهر نوفمبر 1998م غادرنا الدكتور صالح الخرفي إلى جوار ربه، هذا الرجل الذي يحق لنا أن نعده أحد أعلام الجزائر المعاصرين، بما تركه من وقع في المسار الثقافي والعلمي لجزائر الاستقلال، وبما خلد لنا من أعمال وإنتاج فكري وأدبي زاخر يبقى شاهدا على جهوده ومساعيه في سبيل تنوير أبناء الجزائر.
في هذه الذكرى الثانية لرحيل الرجل نرى أنه من أقل واجبنا نحوه أن نقف لحظات مع حياته ومساره، مشيدين بأعماله ومذكرين بجهاده في سبيل دينه ووطنه، حتى نكشف عليه للأجيال الصاعدة ونعرف بشخصيته لتكون مثالا يقتفى ومنهاجا يتبع ومشعلا يستنار به، وحتى لا نتركه لرياح النسيان والتهميش تنال منه كما نالت من الكثير أمثاله من نبغاء الجزائر وأعلامها.
الدكتور صالح الخرفي مثال للطموح الذي يجعل من الإنسان الذي لم يكن شيئا مذكورا إنسانا فعالا مؤثرا وصانعا للكثير من الأحداث التي سجلها التاريخ في دفته بأحرف من ذهب.
بهذا الطموح المتوقد في نفسية صالح الخرفي الفتى جعله يتنقل من بلدته التي كانت في وسط صحراوي ناء ومنعزل إلى أكبر المحافل العلمية والأدبية والسياسية في مختلف الأوطان الإسلامية والعربية مشرقا ومغربا حاملا رسالة بلده ومسمعا صوته.
وبعد أن بلغ ما بلغ وأصبح صالح الخرفي الدكتور والأديب والشاعر فإنه لم يتنكر يوما لوطنه ولا لبلدته، ولم ينس يوما فضل من سبق فضله عليه في ميدان التربية والتعليم ومن غرس في قلبه ذات يوم بذور الصلاح وقيم الأخلاق ومبادئ الإسلام، فاحتفظ بهذا الجميل في وجدانه ورده لوطنه ولأهله كلما سمحت الفرصة، واقتضى الأمر.
كان يعقد الزيارات المتتالية إلى وطنه وإلى موطنه الأول مسقط رأسه ليتفقد أحوال مشايخه ورفاق دربه العلمي والاجتماعي ويساهم بما خصه الله تعالى من تجربة وخبرة في مجال الثقافة والإدارة في كل ما يعرض عليه من مشاريع وبرامج لخدمة أهله وطنه وإصلاح أوضاعه وتحسين أحواله.
وكم تألم لما آلت إليه الجزائر في أزمتها ومحنتها وكم كان يدعو إلى لمّ الشتات وتناسي الضغائن وجمع الكلمة وإبعاد الفرقة، ليوحد الصف من جديد وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، وقد كان يقول أن الجزائر تعيش مرحلة مخاض، سيتولد منها خير ومنفعة للأجيال الآتية، وأن تجربتها هذه ستكون مثالا لكثير من الدول الإسلامية والعربية في مجالات عديدة من الحياة(1).
بعد هذا التقديم أحاول الوقوف مع أهم المحطات في حياة الدكتور صالح الخرفي والعوامل المؤثرة في شخصيته:
1- الترجمة الذاتية والسيرة العلمية والعملية:
صالح بن صالح الخرفي من مواليد بلدة القرارة بوادي ميزاب سنة 1932م، التحق بمدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء بباتنة سنة 1938م، ثم عاد إلى القرارة ليستكمل دراسته الابتدائية بمدرسة الحياة، فاستظهر كتاب الله العزيز سنة 1946 وهو لم يبلغ سنة التكليف، ثم التحق بمعهد الحياة ليزاول دراسته الثانوية، وهنالك تفتقت مواهبه فنهل من أصول العلوم الشرعية والأدبية، وعرف العلاقة الوطيدة بين الأخلاق والمعرفة.
غادر الجزائر سنة 1953 موليا وجهه شطر تونس الخضراء لمواصلة مشواره العلمي في جامع الزيتونة ومدارس الخلدونية. وجلس بين يدي علمائها فترة من الزمن مغترفا من حلقاتهم ألوانا من العلوم الشرعية والفنون الأدبية.
في تونس كانت له نشاطات أدبية وثقافية متنوعة شارك بها في محافل ولقاءات عديدة، كما كان له إلى جانب ذلك نشاط صحفي وإعلامي، حيث أسهم بمقالاته في الصحافة التونسية وأذاع في قنواتها بما كانت تجود به قريحته من الشعر، وبما كان يمليه قلمه من أفكار حول ثورة الجزائر المباركة وقضيتها العادلة، فعمل على استنهاض همم الجالية الجزائرية المتواجدة في تونس، كما استنهض الشعب التونسي ليقف مع إخوانه في جهادهم ضد المستعمر الفرنسي الغاصب. وقد كان يكني نفسه في هذا العمل بأبي عبد الله صالح، ليستخفي من أعين الاستعمار ومتابعاته.
ومع الطلبة الجزائريين كان له حضور ونشاط آخر مع رفاقه الذي غادروا الجزائر لنفس المهمة والهدف، فجمعهم العمل الطلابي تحت مظلة منظمة اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين بفرع تونس سنة 1956م، فكان عضوا في إدارتها.
وتمثيلا للقضية الجزائرية وتعريفا لها سافر من تونس إلى المشرق بجواز سفر تونسي يحمل اسما مستعارا هو "حمودة الحبيب" وشارك به في ملتقيات أدبية ومحافل علمية. مخاطبا ومدويا بالقضية الجزائرية، وملقيا القصائد الشعرية ومتغنيا بثورة الجزائر وبطولاتها المجيدة.
إلى أن أتت سنة 1957 حيث أتاحت له الظروف بعد محاولات كثيرة أن ينتقل إلى مصر ويستقر في القاهرة لمواصلة مشواره الدراسي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. فتحصل سنة 1960 على شهادة الليسانس.
عاد بعد ذلك إلى تونس ليتولى مهمة كلفته بها وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة الجزائرية ألا وهي التعبئة السياسية في صفوف اللاجئين الجزائريين في الحدود التونسية الجزائرية في المنطقة الرابعة المعروفة بمنطقة الكاف. واستمر عمله هناك إلى فجر الاستقلال.
دخل أرض الوطن بعد الاستقلال مباشرة وعمل مسؤولا للعلاقات الثقافية بين الجزائر والبلاد العربية في وزارة التربية الوطنية.
كما أن طموح شارعنا وأديبنا جعلاه لا يرضى بمستواه العلمي ويتطلع إلى ما هو أعلى ويسعى للحصول على أرقى الدرجات والمراتب العلمية، حيث سجل رسالته للماجستير في نفس الجامعة التي تخرج منها بالقاهرة، فأعد بحثا حول شعر المقاومة الجزائرية ونال به شهادته سنة 1966 بتقدير امتياز، وأثناء سنتي 1968 - 1969 أقام في القاهرة متفرغا لإعداد أطروحة الدكتورا بنفس الجامعة في موضوع الشعر الجزائري الحديث، فنالها سنة 1970م.
خلال فترة الستينات كان شاعرنا متفرغا للعمل العلمي الأكاديمي مساهما في تكوين أجيال الاستقلال الأولى، فبالإضافة لانشغاله بإعداد بحوثه الجامعية فقد دخل الجامعة سنة 1964 مدرسا في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر وتدرج في سلكها الوظيفي من أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر، كما تولى رئاسة المعهد من سنة 1971 إلى سنة 1976.
إلى جانب عمله في الجامعة فإن الأستاذ كان حاضرا في مجالات أخرى للثقافة والمعرفة حيث تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة الصادرة من وزارة الثقافة بين سنة 1971 – 1976.
وكان ضمن المثقفين الجزائريين الأولين الذين فكروا في تأسيس اتحاد الكتاب الجزائريين ووضعوا اللبنات الأولى لصرخه العظيم وأعطوا الدفعات الأولى لانطلاقه سنة 1964.
كما كان ضمن الداعين إلى تعريب الجامعة الجزائرية فأسهم بجهوده وآرائه في المناهج العلمية والطرق والخطوات المتبعة لأجل تحقيق ذلك فعمل ضمن اللجنة الوطنية للتعريب التي أنشأتها وزارة التعليم العالي والبحث والعلمي من 1971 إلى سنة 1976.
كما كان عضوا في لجنة إصلاح التعليم العالي التابعة لوزارة التعليم العالي سنة 1971.
بعد أن أسهم بجهوده العلمية في خدمة وطنه والرفع من المستوى المعرفي لأبنائه مدة خمسة عشر سنة، اختاره بلده ليمثله في الخارج في منظمة الجامعة العربية، فما كان منه إلا أن يستجيب للطلب ويحزم رحاله للانتقال إلى جمهورية مصر العربية ويحل بالقاهرة موطن تكوينه العلمي ونضجه المعرفي.
غادر الجزائـر سنة 1976 ملتحقا بعمله في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فمكث في القاهرة إلى بداية الثمانينات، ثم نقل مقر المنظمة من القاهرة إلى العاصمة تونس بعد اتفاقية "كامديفد" بين مصر وإسرائيل، وانتقل بدوره للعمل في تونس.
كما تولى رئاسة تحرير مجلة المنظمة المسماة "المجلة العربية للثقافة' سنة 1981م.
وبقي مشتغلا فيها إلى سنة تقاعده في بداية التسعينات.
خلال كل هذه الفترة التي قضاها الأستاذ خارج بلده كان وفيا له في تمثيله أحسن تمثيل، وفي زيارته كلما سمحت له ظروفه بذلك، ومشاركة أهله وإخوانه في أفراحهم وأعيادهم والإسهام بخبرته وتجربته وآرائه في كل ما ينفع بلده.
وكذا الإسهام بملكته المعرفية الغزيرة في الملتقيات العلمية والأدبية والشعرية والتحليق بالناس بما جادت به خواطره من جولاته ولقاءاته في ربوع البلدان العربية مشرقا ومغربا؛ التي كان يزورها بين الحين والآخر في إطار أعماله ضمن المنظمة العربية.
إن العمل الإداري الذي مني به أديبنا في المنظمة العربية لم يجعله ينقطع أبدا من الساحة العلمية الثقافية أو يبتعد عنها، إذ أن قلمه بقي سيالا مبدعا متجددا طوال حياته.
ولأستاذنا مشاركات في عدة بحوث علمية في إطار عمله في المنظمة العربية نذكر منها:
ـ مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، سنة 1985
ـ العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الإفريقية سنة 1985
ـ من قضايا اللغة العربية المعاصرة، سنة 1990 (2)
في بداية التسعينات نال أديبنا تقاعده المهني وجدد العزم للانطلاق في رحلة البحث والمعرفة؛ ولم يكن هذا التقاعد نهاية لنشاطاته العلمية واستكانة إلى الراحة أو توجيها لاهتماماته إلى مجالات أخرى خارج الثقافة والعلم كما يحلو للبعض من أمثاله أن يفعل حين بلوغهم مثل هذا العمر، بل كانت هذه المحطة بداية جديدة له في الجهاد بالقلم والكلمة في كتابة التاريخ وفي التعريف بأصول هذه الأمة وجذورها وكشف الحجب عن عظمائها ومقوماتها.
فضل شاعرنا البقاء في الغربة بتونس مواصلا فصلا آخر من الجهاد تمثل في الاهتمام بتاريخ الحركة الوطنية التونسية، باحثا عن وثائقها وجامعا أرشيفها منقذا إياه من الضياع والإتلاف الذي مس الكثير منه، فاهتم بشخصية الشيخ عبد العزيز الثعالبي التي طمس كل أثر لها في تونس حتى كاد لا يعرفه ولا يذكره أحد من المثقفين التونسيين فكيف بعامتهم؛ وهو الذي كان القائد المخلص لدينه وشعبه ووطنه ضد المستعمر الفرنسي، وضحى بكل ما يملك وأفنى حياته في خدمة قضية شعبه، وترعرعت على يده وانطلقت الدفعات الأولى للحركة الوطنية التونسية التي كان لها الفضل في استقلال تونس من بعد(3).
جمع عمله وأخرجه إلى نور الحياة كتابا يروي تفاصيل حياة الزعيم التونسي وجهاده وجهوده الجبارة في سبيل نيل تونس استقلالها عنونه بـ: الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب
ثم حقق أحد كتبه الذي بقي لفترة طويلة مخطوطا لم يول له الاهتمام، وبقي مغمورا لا أحد يعرف عنه شيئا، وهو بعنوان: الرسالة المحمدية(4).
وأثناء عمله هذا كان الدكتور صالح الخرفي يترقب ويتوقع أي رد فعل من السلطات التونسية، قد يكون طردا من تونس إلى الأبد أو متابعات قضائية قد تنتهي به إلى غياهب السجون، أو ملاحقات ومضايقات واستنطاقات.
لكن إيمانه بالقضية جعله لا يبال بكل هذا واندفع وراء إنجاز مهمته بكل ثقة وتوكل على ربه، وإيمان بمهمته.
وفعلا فإن الله تعالى قد حقق له أمنيته ووفقه ليرى ثمار جهوده وبلغه أن يشهد طبع بحثه وإدخاله إلى تونس وأن يلقى صدى طيبا لدى عامة الشعب ولدى الطبقة المثقفة منه خاصة، فعرّف بالكتاب واهتمت به الصحف ودارت حوله حصص إعلامية(5).
ولعل العناية الربانية بشاعرنا كانت تحوم به من كل جهة وتحط أجنحتها بين أجنبه حيث عرف عليه في الشهور الأخيرة قبيل وفاته انكبابه على تلاوة القرآن الكريم والتعمق في معرفة أحكامه من بعض التفاسير التي كانت بين يديه(6).
وهكذا ختم الله تعالى أنفاسه في هذا الجو المهيب في تونس العاصمة بعد مرض مفاجئ أصابه وقبض روحه وصعد إلى باريه في يوم 24 نوفمبر من عام 1998م.
ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه بالقرارة بوادي ميزاب وووري التراب في محفل مهيب حضره عدد من مسؤولي الدولة وإطاراتها وجمع من أصدقائه ومشايخه الذين شهدوا بقاءه على العهد وجموع غفيرة من أهله وأقربائه ممن عرفوه وأحبوه، فأتوا ليودعوه لآخر مرة ولينم بالقرب منهم بعد أن قضى حياته في المهجر بعيدا عنهم.
2- الإنتاج الفكري والبحوث العلمية المطبوعة:
في الأبحاث والدراسات:
ـ شعراء من الجزائر القاهرة 1969
ـ صفحات من الجزائر الجزائر 1974
ـ الشعر الجزائري الحديث الجزائر 1975
ـ الجزائر والأصالة الثورية الجزائر 1978
ـ شعر المقاومة الجزائرية الجزائر 1982
ـ في ذكرى الأمير عبد القادر الجزائري الجزائر 1984
ـ في رحاب المغرب العربي بيروت 1985
في الشعر:
ـ صرخة الجزائر الثائرة قطر 1958
ـ نوفمبر قطر 1961
ـ أطلس المعجزات الجزائر 1967
ـ أنت ليلاي الجزائر 1974
ـ من أعماق الصحراء بيروت 1991
في الأدب الجزائري الحديث
ـ المدخل إلى الأدب الجزائري الحديث الجزائر 1983
ـ عمر بن قدور الجزائري الجزائر 1984
ـ حمود رمضان الجزائر 1983
ـ محمد السعيد الزاهري الجزائر 1986
ـ محمد العيد آل خليفة الجزائر 1986
ـ الأديب الشهيد أحمد رضا
حوحو في الحجاز بيروت 1991
في الإسلاميات:
ـ الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب
بيروت 1995
ـ تحقيق الرسالة المحمدية للثعالبي
دمشق ـ بيروت 1997(7)
يتبع...
وبعد أن بلغ ما بلغ وأصبح صالح الخرفي الدكتور والأديب والشاعر فإنه لم يتنكر يوما لوطنه ولا لبلدته، ولم ينس يوما فضل من سبق فضله عليه في ميدان التربية والتعليم ومن غرس في قلبه ذات يوم بذور الصلاح وقيم الأخلاق ومبادئ الإسلام، فاحتفظ بهذا الجميل في وجدانه ورده لوطنه ولأهله كلما سمحت الفرصة، واقتضى الأمر.
كان يعقد الزيارات المتتالية إلى وطنه وإلى موطنه الأول مسقط رأسه ليتفقد أحوال مشايخه ورفاق دربه العلمي والاجتماعي ويساهم بما خصه الله تعالى من تجربة وخبرة في مجال الثقافة والإدارة في كل ما يعرض عليه من مشاريع وبرامج لخدمة أهله وطنه وإصلاح أوضاعه وتحسين أحواله.
وكم تألم لما آلت إليه الجزائر في أزمتها ومحنتها وكم كان يدعو إلى لمّ الشتات وتناسي الضغائن وجمع الكلمة وإبعاد الفرقة، ليوحد الصف من جديد وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، وقد كان يقول أن الجزائر تعيش مرحلة مخاض، سيتولد منها خير ومنفعة للأجيال الآتية، وأن تجربتها هذه ستكون مثالا لكثير من الدول الإسلامية والعربية في مجالات عديدة من الحياة(1).
بعد هذا التقديم أحاول الوقوف مع أهم المحطات في حياة الدكتور صالح الخرفي والعوامل المؤثرة في شخصيته:
1- الترجمة الذاتية والسيرة العلمية والعملية:
صالح بن صالح الخرفي من مواليد بلدة القرارة بوادي ميزاب سنة 1932م، التحق بمدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء بباتنة سنة 1938م، ثم عاد إلى القرارة ليستكمل دراسته الابتدائية بمدرسة الحياة، فاستظهر كتاب الله العزيز سنة 1946 وهو لم يبلغ سنة التكليف، ثم التحق بمعهد الحياة ليزاول دراسته الثانوية، وهنالك تفتقت مواهبه فنهل من أصول العلوم الشرعية والأدبية، وعرف العلاقة الوطيدة بين الأخلاق والمعرفة.
غادر الجزائر سنة 1953 موليا وجهه شطر تونس الخضراء لمواصلة مشواره العلمي في جامع الزيتونة ومدارس الخلدونية. وجلس بين يدي علمائها فترة من الزمن مغترفا من حلقاتهم ألوانا من العلوم الشرعية والفنون الأدبية.
في تونس كانت له نشاطات أدبية وثقافية متنوعة شارك بها في محافل ولقاءات عديدة، كما كان له إلى جانب ذلك نشاط صحفي وإعلامي، حيث أسهم بمقالاته في الصحافة التونسية وأذاع في قنواتها بما كانت تجود به قريحته من الشعر، وبما كان يمليه قلمه من أفكار حول ثورة الجزائر المباركة وقضيتها العادلة، فعمل على استنهاض همم الجالية الجزائرية المتواجدة في تونس، كما استنهض الشعب التونسي ليقف مع إخوانه في جهادهم ضد المستعمر الفرنسي الغاصب. وقد كان يكني نفسه في هذا العمل بأبي عبد الله صالح، ليستخفي من أعين الاستعمار ومتابعاته.
ومع الطلبة الجزائريين كان له حضور ونشاط آخر مع رفاقه الذي غادروا الجزائر لنفس المهمة والهدف، فجمعهم العمل الطلابي تحت مظلة منظمة اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين بفرع تونس سنة 1956م، فكان عضوا في إدارتها.
وتمثيلا للقضية الجزائرية وتعريفا لها سافر من تونس إلى المشرق بجواز سفر تونسي يحمل اسما مستعارا هو "حمودة الحبيب" وشارك به في ملتقيات أدبية ومحافل علمية. مخاطبا ومدويا بالقضية الجزائرية، وملقيا القصائد الشعرية ومتغنيا بثورة الجزائر وبطولاتها المجيدة.
إلى أن أتت سنة 1957 حيث أتاحت له الظروف بعد محاولات كثيرة أن ينتقل إلى مصر ويستقر في القاهرة لمواصلة مشواره الدراسي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. فتحصل سنة 1960 على شهادة الليسانس.
عاد بعد ذلك إلى تونس ليتولى مهمة كلفته بها وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة الجزائرية ألا وهي التعبئة السياسية في صفوف اللاجئين الجزائريين في الحدود التونسية الجزائرية في المنطقة الرابعة المعروفة بمنطقة الكاف. واستمر عمله هناك إلى فجر الاستقلال.
دخل أرض الوطن بعد الاستقلال مباشرة وعمل مسؤولا للعلاقات الثقافية بين الجزائر والبلاد العربية في وزارة التربية الوطنية.
كما أن طموح شارعنا وأديبنا جعلاه لا يرضى بمستواه العلمي ويتطلع إلى ما هو أعلى ويسعى للحصول على أرقى الدرجات والمراتب العلمية، حيث سجل رسالته للماجستير في نفس الجامعة التي تخرج منها بالقاهرة، فأعد بحثا حول شعر المقاومة الجزائرية ونال به شهادته سنة 1966 بتقدير امتياز، وأثناء سنتي 1968 - 1969 أقام في القاهرة متفرغا لإعداد أطروحة الدكتورا بنفس الجامعة في موضوع الشعر الجزائري الحديث، فنالها سنة 1970م.
خلال فترة الستينات كان شاعرنا متفرغا للعمل العلمي الأكاديمي مساهما في تكوين أجيال الاستقلال الأولى، فبالإضافة لانشغاله بإعداد بحوثه الجامعية فقد دخل الجامعة سنة 1964 مدرسا في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر وتدرج في سلكها الوظيفي من أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر، كما تولى رئاسة المعهد من سنة 1971 إلى سنة 1976.
إلى جانب عمله في الجامعة فإن الأستاذ كان حاضرا في مجالات أخرى للثقافة والمعرفة حيث تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة الصادرة من وزارة الثقافة بين سنة 1971 – 1976.
وكان ضمن المثقفين الجزائريين الأولين الذين فكروا في تأسيس اتحاد الكتاب الجزائريين ووضعوا اللبنات الأولى لصرخه العظيم وأعطوا الدفعات الأولى لانطلاقه سنة 1964.
كما كان ضمن الداعين إلى تعريب الجامعة الجزائرية فأسهم بجهوده وآرائه في المناهج العلمية والطرق والخطوات المتبعة لأجل تحقيق ذلك فعمل ضمن اللجنة الوطنية للتعريب التي أنشأتها وزارة التعليم العالي والبحث والعلمي من 1971 إلى سنة 1976.
كما كان عضوا في لجنة إصلاح التعليم العالي التابعة لوزارة التعليم العالي سنة 1971.
بعد أن أسهم بجهوده العلمية في خدمة وطنه والرفع من المستوى المعرفي لأبنائه مدة خمسة عشر سنة، اختاره بلده ليمثله في الخارج في منظمة الجامعة العربية، فما كان منه إلا أن يستجيب للطلب ويحزم رحاله للانتقال إلى جمهورية مصر العربية ويحل بالقاهرة موطن تكوينه العلمي ونضجه المعرفي.
غادر الجزائـر سنة 1976 ملتحقا بعمله في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فمكث في القاهرة إلى بداية الثمانينات، ثم نقل مقر المنظمة من القاهرة إلى العاصمة تونس بعد اتفاقية "كامديفد" بين مصر وإسرائيل، وانتقل بدوره للعمل في تونس.
كما تولى رئاسة تحرير مجلة المنظمة المسماة "المجلة العربية للثقافة' سنة 1981م.
وبقي مشتغلا فيها إلى سنة تقاعده في بداية التسعينات.
خلال كل هذه الفترة التي قضاها الأستاذ خارج بلده كان وفيا له في تمثيله أحسن تمثيل، وفي زيارته كلما سمحت له ظروفه بذلك، ومشاركة أهله وإخوانه في أفراحهم وأعيادهم والإسهام بخبرته وتجربته وآرائه في كل ما ينفع بلده.
وكذا الإسهام بملكته المعرفية الغزيرة في الملتقيات العلمية والأدبية والشعرية والتحليق بالناس بما جادت به خواطره من جولاته ولقاءاته في ربوع البلدان العربية مشرقا ومغربا؛ التي كان يزورها بين الحين والآخر في إطار أعماله ضمن المنظمة العربية.
إن العمل الإداري الذي مني به أديبنا في المنظمة العربية لم يجعله ينقطع أبدا من الساحة العلمية الثقافية أو يبتعد عنها، إذ أن قلمه بقي سيالا مبدعا متجددا طوال حياته.
ولأستاذنا مشاركات في عدة بحوث علمية في إطار عمله في المنظمة العربية نذكر منها:
ـ مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، سنة 1985
ـ العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الإفريقية سنة 1985
ـ من قضايا اللغة العربية المعاصرة، سنة 1990 (2)
في بداية التسعينات نال أديبنا تقاعده المهني وجدد العزم للانطلاق في رحلة البحث والمعرفة؛ ولم يكن هذا التقاعد نهاية لنشاطاته العلمية واستكانة إلى الراحة أو توجيها لاهتماماته إلى مجالات أخرى خارج الثقافة والعلم كما يحلو للبعض من أمثاله أن يفعل حين بلوغهم مثل هذا العمر، بل كانت هذه المحطة بداية جديدة له في الجهاد بالقلم والكلمة في كتابة التاريخ وفي التعريف بأصول هذه الأمة وجذورها وكشف الحجب عن عظمائها ومقوماتها.
فضل شاعرنا البقاء في الغربة بتونس مواصلا فصلا آخر من الجهاد تمثل في الاهتمام بتاريخ الحركة الوطنية التونسية، باحثا عن وثائقها وجامعا أرشيفها منقذا إياه من الضياع والإتلاف الذي مس الكثير منه، فاهتم بشخصية الشيخ عبد العزيز الثعالبي التي طمس كل أثر لها في تونس حتى كاد لا يعرفه ولا يذكره أحد من المثقفين التونسيين فكيف بعامتهم؛ وهو الذي كان القائد المخلص لدينه وشعبه ووطنه ضد المستعمر الفرنسي، وضحى بكل ما يملك وأفنى حياته في خدمة قضية شعبه، وترعرعت على يده وانطلقت الدفعات الأولى للحركة الوطنية التونسية التي كان لها الفضل في استقلال تونس من بعد(3).
جمع عمله وأخرجه إلى نور الحياة كتابا يروي تفاصيل حياة الزعيم التونسي وجهاده وجهوده الجبارة في سبيل نيل تونس استقلالها عنونه بـ: الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب
ثم حقق أحد كتبه الذي بقي لفترة طويلة مخطوطا لم يول له الاهتمام، وبقي مغمورا لا أحد يعرف عنه شيئا، وهو بعنوان: الرسالة المحمدية(4).
وأثناء عمله هذا كان الدكتور صالح الخرفي يترقب ويتوقع أي رد فعل من السلطات التونسية، قد يكون طردا من تونس إلى الأبد أو متابعات قضائية قد تنتهي به إلى غياهب السجون، أو ملاحقات ومضايقات واستنطاقات.
لكن إيمانه بالقضية جعله لا يبال بكل هذا واندفع وراء إنجاز مهمته بكل ثقة وتوكل على ربه، وإيمان بمهمته.
وفعلا فإن الله تعالى قد حقق له أمنيته ووفقه ليرى ثمار جهوده وبلغه أن يشهد طبع بحثه وإدخاله إلى تونس وأن يلقى صدى طيبا لدى عامة الشعب ولدى الطبقة المثقفة منه خاصة، فعرّف بالكتاب واهتمت به الصحف ودارت حوله حصص إعلامية(5).
ولعل العناية الربانية بشاعرنا كانت تحوم به من كل جهة وتحط أجنحتها بين أجنبه حيث عرف عليه في الشهور الأخيرة قبيل وفاته انكبابه على تلاوة القرآن الكريم والتعمق في معرفة أحكامه من بعض التفاسير التي كانت بين يديه(6).
وهكذا ختم الله تعالى أنفاسه في هذا الجو المهيب في تونس العاصمة بعد مرض مفاجئ أصابه وقبض روحه وصعد إلى باريه في يوم 24 نوفمبر من عام 1998م.
ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه بالقرارة بوادي ميزاب وووري التراب في محفل مهيب حضره عدد من مسؤولي الدولة وإطاراتها وجمع من أصدقائه ومشايخه الذين شهدوا بقاءه على العهد وجموع غفيرة من أهله وأقربائه ممن عرفوه وأحبوه، فأتوا ليودعوه لآخر مرة ولينم بالقرب منهم بعد أن قضى حياته في المهجر بعيدا عنهم.
2- الإنتاج الفكري والبحوث العلمية المطبوعة:
في الأبحاث والدراسات:
ـ شعراء من الجزائر القاهرة 1969
ـ صفحات من الجزائر الجزائر 1974
ـ الشعر الجزائري الحديث الجزائر 1975
ـ الجزائر والأصالة الثورية الجزائر 1978
ـ شعر المقاومة الجزائرية الجزائر 1982
ـ في ذكرى الأمير عبد القادر الجزائري الجزائر 1984
ـ في رحاب المغرب العربي بيروت 1985
في الشعر:
ـ صرخة الجزائر الثائرة قطر 1958
ـ نوفمبر قطر 1961
ـ أطلس المعجزات الجزائر 1967
ـ أنت ليلاي الجزائر 1974
ـ من أعماق الصحراء بيروت 1991
في الأدب الجزائري الحديث
ـ المدخل إلى الأدب الجزائري الحديث الجزائر 1983
ـ عمر بن قدور الجزائري الجزائر 1984
ـ حمود رمضان الجزائر 1983
ـ محمد السعيد الزاهري الجزائر 1986
ـ محمد العيد آل خليفة الجزائر 1986
ـ الأديب الشهيد أحمد رضا
حوحو في الحجاز بيروت 1991
في الإسلاميات:
ـ الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب
بيروت 1995
ـ تحقيق الرسالة المحمدية للثعالبي
دمشق ـ بيروت 1997(7)
يتبع...
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 18:09 من طرف رياك نعيم أمين
» الزمن القديم باقات العربسات القديم صدام كسرت غربا
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 10:08 من طرف رياك نعيم أمين
» أقمار يوتل سات على الغرب
الإثنين 22 أبريل 2024 - 19:16 من طرف رياك نعيم أمين
» دي خشت بعد أحتلال بغداد بداية الفرنسية على الغرب أتلانتيك بي
الخميس 14 مارس 2024 - 23:19 من طرف رياك نعيم أمين
» مستعدين لدي مليون بث أيقاف من العصر هلها فيها مازال
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 21:24 من طرف رياك نعيم أمين
» دورة إدارة الحملات الإعلامية الفعالة أثناء الأزمات
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 17:40 من طرف نورهان ميتك
» دورة مهارات الكتابة والتدقيق اللغوي القانوني
الأحد 12 نوفمبر 2023 - 10:50 من طرف نورهان ميتك
» دورة السلامة والصحة المهنية في المشروعات الهندسية 2024
الخميس 9 نوفمبر 2023 - 13:57 من طرف نورهان ميتك
» دورة التصفية المحاسبية للمنتجات التمويلية للبنوك التجارية
الخميس 9 نوفمبر 2023 - 13:45 من طرف نورهان ميتك
» شوفي دي ???? ???? ????
الأربعاء 8 نوفمبر 2023 - 11:26 من طرف رياك نعيم أمين
» زمان زمان nilesat iraq waأيام الريسيفرات اللي تشيلها بالقوه
الإثنين 11 سبتمبر 2023 - 17:12 من طرف رياك نعيم أمين
» eutelsat b france
الأربعاء 6 سبتمبر 2023 - 17:58 من طرف رياك نعيم أمين
» دورات المحاسبة المالية و الحكومية | Financial accounting and
الأحد 11 يونيو 2023 - 14:08 من طرف نورهان ميتك
» دورات المراجعة والتدقيق Audit courses
الأحد 11 يونيو 2023 - 14:01 من طرف نورهان ميتك
» لماذا واي الجزائر على عربسات ماللذي تغير قرون وسنين
الأربعاء 24 مايو 2023 - 13:55 من طرف رياك نعيم أمين
» استخدام شبكة الانترنت في إدارة المشاريع الهندسية
الأحد 15 يناير 2023 - 17:08 من طرف نورهان ميتك
» أهلا ياجماعة جزائر طولتوا الموافقه نحنو أليت تيم 7
الإثنين 12 ديسمبر 2022 - 14:50 من طرف رياك نعيم أمين
» دورة الجودة في خدمة العملاء – ايزو 10002 لعام 2020
الأحد 5 يوليو 2020 - 17:32 من طرف مركز تدريب جلف
» دورة الايزو 17025 ونظم اتحاد المعامل ISO 17025 لعام 2020
الأحد 5 يوليو 2020 - 17:30 من طرف مركز تدريب جلف
» دورة نظام تقييم الأداء المتوازن لعام 2020
الأحد 5 يوليو 2020 - 16:38 من طرف مركز تدريب جلف