الــــــــــــــــــجزائـــــــــر بـــــــلد الـــــــثــــــــوار

مرحبا بك في عائلتنا المتواضعة عائلة الجزائر بلد الثوار
عزيزي لا تترك قلمك جامدا هذا ضد الثقافة
ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Babaouiq


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الــــــــــــــــــجزائـــــــــر بـــــــلد الـــــــثــــــــوار

مرحبا بك في عائلتنا المتواضعة عائلة الجزائر بلد الثوار
عزيزي لا تترك قلمك جامدا هذا ضد الثقافة
ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Babaouiq

الــــــــــــــــــجزائـــــــــر بـــــــلد الـــــــثــــــــوار

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الــــــــــــــــــجزائـــــــــر بـــــــلد الـــــــثــــــــوار

المنتديات الجزائر بلد الثوار هي منتديات الجزائرية الإجتماعية و الثقافية هدفها نشر العلم و المعرفة و تكافل و تراحم و ترابط


    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟

    72fifi
    72fifi

    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Default6


    انثى
    عدد الرسائل : 3347
    البلد : الجزائر ( المنيعة)
    العمل/الترفيه : الانترانت
    نسبة النشاط :
    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Left_bar_bleue50 / 10050 / 100ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Right_bar_bleue

    السٌّمعَة : 2
    تاريخ التسجيل : 10/01/2007

    بطاقة الشخصية
    نقاط التميز: 170
    الأوسمة:

    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Empty ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟

    مُساهمة من طرف 72fifi السبت 22 سبتمبر 2007 - 12:32



    ما المراد بهذا إلیوم‌ المتكرّر .. وأي‌ّ يوم‌ هو .. ؟ هل‌ المراد به‌ الزمن‌ الوسيع‌ والمتّسع‌، كما يقال‌: كنتُ طفلاً أمس‌، وإلیوم‌ صرت‌ شابّاً. أو كنت‌ جاهلاً أمس‌، وإلیوم‌ أصبحت‌ عالماً ؟ أو المراد به‌ زمان‌ ظهور الإسلام ببعثة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ودعوته‌، فيكون‌ المراد: أنَّ الله‌ أنزل‌ إلیكم‌ الإسلام ‌، وأكمل‌ لكم‌ الدين‌، وأتمّ علیكم‌ النعمة‌، وأيأس‌ منكم‌ الكفّار ؟

    لا يصحّ هذا الاحتمال‌ لانَّ ظاهر سياق‌ الآية‌ أنـّه‌ كان‌ للمسلمين‌ ديناً وكان‌ الكفّار يطمعون‌ في‌ إبطاله‌ وتغييره‌، وكان‌ المسلمون‌ يخشون‌ من‌ طمع‌ الكفّار لتخريب‌ وإزالة‌ دينهم‌ فأيأس‌ الله‌ الكافرين‌ من‌ الاعتداء والتسلّط‌ علی‌ دين‌ المؤمنين‌ وآمن‌ المسلمين‌ . إنَّ الدين‌ كان‌ ناقصاً فأكمله‌ الله‌ وأتمّ نعمته‌ علیهم‌ . وقبل‌ الإسلام لم‌ يكن‌ للمسلمين‌ ديناً حتّي‌ يطمع‌ فيه‌ الكفّار أو يكمله‌ الله‌ ويتمّ نعمته‌ علیهم‌ .

    يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ ووفقاً لهذا الاحتمال‌ أنَّ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ينبغي‌ أن‌ يتقدّم‌ علی‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ حتّي‌ يستقيم‌ الكلام‌ في‌ نظمه‌ .

    أو أنَّ المراد بإلیوم‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌ هو ما بعد فتح‌ مكّة‌ حيث‌ أبطل‌ الله‌ فيه‌ كيد ومكر مشركي‌ قريش‌، وأذهب‌ شوكتهم‌ وعظمتهم‌، وهدم‌ فيه‌ بنيان‌ دينهم‌، وحطّم‌ أصنامهم‌، فانقطع‌ رجاؤهم‌ أن‌ يقوموا علی‌ ساق‌، ويضادّوا الإسلام ويمانعوا نفوذ أمره‌ وانتشار صيته‌ .

    ولا يصحّ هذا الاحتمال‌ أيضاً لانَّ الآية‌ تدلّ علی‌ إكمال‌ الدين‌ وإتمام‌ النعمة‌. ولمّا يكمل‌ الدين‌ بفتح‌ مكّة‌ في‌ السنة‌ الثامنة‌ من‌ الهجرة‌ . فكم‌ من‌ الفرائض‌ والواجبات‌ قد نزلت‌ بعد ذلك‌، وكم‌ الكثير من‌ الحلال‌ والحرام‌ شرّع‌ فيما بينه‌ وبين‌ رحلة‌ رسول‌ الله‌ .

    يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، أنَّ المراد من‌ قوله‌: الَّذِينَ كَفَرُوا يعمّ جميع‌ مشركي‌ العرب‌ . ولم‌ يكونوا آيسين‌ من‌ الاعتداء وتحطيم‌ دين‌ الإسلام بعد فتح‌ مكّة‌، والدليل‌ علی‌ ذلك‌ أنَّ كثيراً من‌ المواثيق‌ علی‌ عدم‌ التعرّض‌ كانت‌ باقية‌ بعد علی‌ اعتبارها واحترامها . وكان‌ مشركو العرب‌ يحجّون‌ علی‌ سنّة‌ الجاهليّة‌ . وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً. وكانت‌ النساء يحججن‌ عاريات‌ مكشوفات‌ العورة‌ .
    وكان‌ هذا المنهج‌ مستمرّاً حتّي‌ بعث‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بآيات‌ البراءة‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ مكّة‌ في‌ السنة‌ التاسعة‌ من‌ الهجرة‌ فأبطل‌ بقايا آداب‌ ورسوم‌ الجاهليّة‌ وتقإلیدها.

    أو أنَّ المراد بإلیوم‌، ما بعد نزول‌ سورة‌ براءة‌، حيث‌ بسط‌ الإسلام آنذاك‌ سيطرته‌ علی‌ جزيرة‌ العرب‌ تقريباً، وانمحت‌ آداب‌ وآثار الشرك‌، وماتت‌ سنن‌ الجاهليّة‌ . فما كان‌ المسلمون‌ يرون‌ في‌ المحافل‌ الدينيّة‌ ومناسك‌ الحجّ أحداً من‌ المشركين‌، وصفا لهم‌ الامر، وأبدلهم‌ الله‌ بعد خوفهم‌ أمناً يعبدونه‌ ولا يشركون‌ به‌ شيئاً . ولا يصحّ هذا الاحتمال‌ أيضاً، فإنَّ مشركي‌ العرب‌ وإن‌ أيسوا من‌ دين‌ المسلمين‌ بعد نزول‌ سورة‌ براءة‌، وطي‌ّ بساط‌ الشرك‌ من‌ الجزيرة‌ العربيّة‌، وإعفاء تقإلید الجاهليّة‌، إلاّ أنَّ الدين‌ لم‌ يكمل‌ بعد، وقد نزلت‌ فرائض‌ وأحكام‌ بعد سورة‌ براءة‌، ومنها ما في‌ هذه‌ السورة‌ ( سورة‌ المائدة‌ ) . واتّفقوا علی‌ نزولها في‌ آخر عهد النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، وفيها شي‌ء كثير من‌ أحكام‌ الحلال‌ والحرام‌ والحدود القصاص‌ . فتحصّل‌ أنـّه‌ لاسبيل‌ إلی‌ احتمال‌ أن‌ يكون‌ المراد بإلیوم‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌ معناه‌ الوسيع‌ ممّا يناسب‌ مفاد الآية‌ في‌ أوّل‌ نظرة‌ كزمان‌ ظهور الدعوة‌ الإسلام يّة‌، أو ما بعد فتح‌ مكّة‌ من‌ الزمان‌، أو ما بعد نزول‌ آيات‌ البراءة‌ . فلا سبيل‌ إلاّ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإلیوم‌ يوم‌ نزول‌ الآية‌ نفسها .

    وذلك‌ إلیوم‌ هو يوم‌ نزول‌ السورة‌ إن‌ كان‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا في‌ وسط‌ آية‌ حرمة‌ الطعام‌ مرتبطاً بها بحسب‌ المعني‌، أو بعد نزول‌ سورة‌ المائدة‌ في‌ أواخر عهد رسول‌ الله‌، ثمّ جعلوها هنا بقرينة‌ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .

    فهل‌ المراد بإلیوم‌ يوم‌ فتح‌ مكّة‌ بعينه‌ ؟ أو يوم‌ نزول‌ سورة‌ براءة‌ ؟! وتثار هنا نفس‌ الاءشكالات‌ الواردة‌ علی‌ الاحتمال‌ الثاني‌ والثالث‌ المتقدّمين‌.

    أو أنَّ المراد بإلیوم‌ هو يوم‌ عرفة‌ من‌ حجّة‌ الوداع‌ كما ذكر كثير من‌ مفسّري‌ العامّة‌، وبه‌ وردت‌ بعض‌ الروايات‌ ؟ فما المراد من‌ يأس‌ الذين‌ كفروا يومئذٍ من‌ دين‌ المسلمين‌ ؟ فإن‌ كان‌ المراد بإلیأس‌ من‌ الدين‌ يأس‌ مشركي‌ قريش‌ من‌ الظهور علی‌ دين‌ المسلمين‌، فقد كان‌ ذلك‌ يوم‌ فتح‌ مكّة‌ عام‌ ثمانية‌ لا يوم‌ عرفة‌ من‌ السنة‌ العاشرة‌ . وإن‌ كان‌ المراد يأس‌ مشركي‌ العرب‌ من‌ ذلك‌، فقد كان‌ ذلك‌ عند نزول‌ سورة‌ براءة‌، وهو في‌ السنة‌ التاسعة‌ من‌ الهجرة‌ . وإن‌ كان‌ المراد به‌ يأس‌ جميع‌ الكفّار الشامل‌ لليهود، والنصاري‌، والمجوس‌، وغيرهم‌ ـوذلك‌ الذي‌ يقتضيه‌ إطلاق‌ قوله‌: الَّذِينَ كَفَرُوا ـ فهؤلاء لم‌ يكونوا آيسين‌ من‌ الظهور علی‌ المسلمين‌ بعد، ولمّا تظهر للإسلام‌ قوّة‌ وشوكة‌ وغلبة‌ في‌ خارج‌ الجزيرة‌ العربيّة‌ يومئذٍ .

    ومن‌ جهة‌ أُخري‌، يجب‌ أن‌ نتأمّل‌ ونري‌: ماذا حدث‌ يوم‌ عرفة‌ من‌ حجّة‌ الوداع‌، وهو التاسع‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌ السنة‌ العاشرة‌ من‌ الهجرة‌ ؟ وما هو شأن‌ ذلك‌ إلیوم‌ حتّي‌ يناسب‌ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا ؟

    فربّما أمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد به‌ إكمال‌ الحجّ بحضور رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ بنفسه‌ فيه‌، وتعلیمه‌ الناس‌ تعلیماً عمليّاً مشفوعاً بالقول‌.

    وهذا لا يصحّ، لانـّه‌ يسمّي‌ مجرّد تعلیمه‌ الناس‌ مناسك‌ حجّهم‌ إكمالاً للدين‌ ؟ ونحن‌ نعلم‌ أنَّ النبي‌ّ الاكرم‌ كان‌ قد شرّع‌ أركان‌ الدين‌ من‌ صلاة‌ وصوم‌ وحجّ وزكاة‌ وجهاد قبل‌ الحجّ، وفي‌ حجّة‌ الوداع‌ أيضاً حيث‌ علّمهم‌ حجّ التمتّع‌، لم‌ يلبث‌ دون‌ أن‌ صارت‌ هذه‌ السُّنَّة‌ السَّنِيَّة‌ مهجورة‌ وهذه‌ الفريضة‌ الإلهيّة‌ متروكة‌ .

    وكيف‌ يصحّ أن‌ يسمّي‌ تعلیم‌ شي‌ء من‌ واجبات‌ الدين‌ إكمالاً لذلك‌ الواجب‌ فضلاً عن‌ أن‌ يسمّي‌ تعلیهم‌ واجب‌ من‌ واجبات‌ الدين‌ لمجموع‌ الدين‌ ؟

    يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، أنَّ هذا الاحتمال‌ يوجب‌ انقطاع‌ رابطة‌ الفقرة‌ الاُولي‌، أعني‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ بهذه‌ الفقرة‌، أعني‌ قوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . وأي‌ّ ربط‌ ليأس‌ الكفّار عن‌ الدين‌ بتعلیم‌ رسول‌الله‌ حجّ التمتّع‌ للناس‌ ؟

    وربّما أمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإكمال‌ الدين‌ من‌ جهة‌ بيان‌ ونزول‌ بقايا الحلال‌ والحرام‌ في‌ هذا إلیوم‌ في‌ سورة‌ المائدة‌، فلا حلال‌ بعده‌ ولاحرام‌، وبإكمال‌ الدين‌ استولي‌ إلیأس‌ علی‌ قلوب‌ الكفّار، ولاحت‌ آثاره‌ علی‌ وجوههم‌ .

    لكن‌ يجب‌ أن‌ نتبصّر في‌ تمييز هؤلاء الكفّار الذين‌ عبّر عنهم‌ في‌ الآية‌ بقوله‌: الَّذِينَ كَفَرُوا علی‌ هذا التقدير وأنـّهم‌ من‌ هم‌ ؟ فإن‌ أُريد بهم‌ كفّار العرب‌، فقد كان‌ الإسلام عمّهم‌ يومئذٍ ولم‌ يكن‌ فيهم‌ من‌ يتظاهر بغير الإسلام ‌، فمن‌ هم‌ الكفّار الآئسون‌ ؟

    وإن‌ أُريد بهم‌ الكفّار من‌ غير العرب‌ من‌ الاُمم‌ والطوائف‌، فقد عرفنا آنفاً أنـّهم‌ لم‌ يكونوا آئسين‌ يومئذٍ من‌ الظهور علی‌ المسلمين‌ .

    يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، ينبغي‌ أن‌ نري‌ ما المراد بانسداد باب‌ التشريع‌ بنزول‌ سورة‌ المائدة‌ وانقضاء يوم‌ عرفة‌ ؟ فقد وردت‌ روايات‌ كثيرة‌ لايستهان‌ بها عدداً نزول‌ أحكام‌ وفرائض‌ بعد يوم‌ عرفة‌، كما في‌ آية‌ الكلالة‌ في‌ آخر سورة‌ النساء، وآيات‌ الربا . حتّي‌ أنـّه‌ روي‌ عن‌ عمر أنـّه‌ قال‌ في‌ خطبة‌ خطبها: من‌ آخر القرآن‌ نزولاً آية‌ الربا، وأنـّه‌ مات‌ رسول‌الله‌ ولم‌ يبيّنه‌ لنا، فَدَعُوا مَا يُرِيبُكُمْ إلی‌ مَا لاَ يُرِيبُكُمْ .

    وروي‌ البخاري‌ّ في‌ الصحيح‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌، قال‌: آخر آية‌ نزلت‌ علی‌ رسول‌ الله‌ آية‌ الربا . وليس‌ للعالم‌ بطرق‌ الاستفادة‌ من‌ الروايات‌ ومن‌ كتاب‌ الله‌ أن‌ يضعّف‌ هذه‌ المجموعة‌ من‌ الروايات‌، ويقدّم‌ آية‌ الإكمال‌ في‌ يوم‌ عرفة‌ علیها، لانَّ الآية‌ الكريمة‌ ليست‌ بصريحة‌ ولا ظاهرة‌ في‌ كون‌ المراد بإلیوم‌ فيها يوم‌ عرفة‌ بعينه‌ . وإنّما هو وجه‌ محتمل‌ يتوقّف‌ في‌ تعيّنه‌ علی‌ انتفاء كلّ احتمال‌ ينافيه‌، وهذه‌ الاخبار لا تقصر عن‌ الاحتمال‌ المجرّد عن‌ السند .

    وربّما أمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإكمال‌ الدين‌ خلوص‌ البيت‌ الحرام‌ للمسلمين‌، وإجلاء المشركين‌ عنه‌ حتّي‌ حجّه‌ المسلمون‌ وهم‌ لايخالطهم‌ المشركون‌.

    وهذا الكلام‌ لا يصحّ أيضاً، وذلك‌ أنـّه‌ كان‌ قد صفا الامرر للمسلمين‌ فيما ذكر قبل‌ ذلك‌ بسنة‌، فما معني‌ تقييده‌ بإلیوم‌ بقوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . علی‌ أنـّه‌ لو سُلّم‌ كون‌ صفاء الجوّ هذا وخلوص‌ بيت‌ الله‌ إتماماً للنعمة‌، لم‌ يسلّم‌ كونه‌ إكمالاً للدين‌ .

    والدين‌ عبارة‌ عن‌ مجموعة‌ من‌ عقائد وأحكام‌، وليس‌ إكماله‌ إلاّ أن‌ يضاف‌ إلی‌ عدد أجزائها وأبعاضها عدد . وأمّا خلوص‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌ فلايسمّي‌ إكمالاً للدين‌، لانَّ ارتفاع‌ الموانع‌ والعقبات‌ عن‌ أبعاض‌ وأجزاء الدين‌ لا يدعي‌ إكمالاً . علی‌ أنَّ إشكال‌ يأس‌ الكفّار عن‌ الدين‌ علی‌ حاله‌.

    ويمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد من‌ إكمال‌ الدين‌ بيان‌ هذه‌ المحرّمات‌ بياناً تفصيليّاً ليأخذ به‌ المسلمون‌ ويطبّقوه‌ . أي‌: يجتنبوا المحرّمات‌ ولايخشوا الكفّار في‌ ذلك‌، لانَّ الكفّار قد يئسوا من‌ دينهم‌ بإعزاز الله‌ المسلمين‌ وإظهار دينهم‌ وتغليبهم‌ علی‌ الكفّار .

    توضيح‌ ذلك‌: أنَّ حكمة‌ الاكتفاء في‌ أوّل‌ الإسلام بذكر محرّمات‌ الطعام‌ الاربعة‌ [أي‌: الميتة‌، والدم‌، ولحم‌ الخنزير، وما أُهِلَّ لغير الله‌ به‌ ] الواردة‌ في‌ بعض‌ السور المكيّة‌، وترك‌ تفصيل‌ ما يندرج‌ فيها ممّا كرهه‌ الإسلام للمسلمين‌ من‌ سائر ما ذكر في‌ هذه‌ الآية‌ إلی‌ ما بعد فتح‌ مكّة‌ إنّما هي‌ التدرّج‌ في‌ تحريم‌ هذه‌ الخبائث‌ والتشديد فيها، كما كان‌ التدريج‌ في‌ تحريم‌ الخمر لئلاّ ينفر العرب‌ من‌ الإسلام ولا يرون‌ فيه‌ حرجاً علیهم‌ يرجون‌ به‌ أن‌ يرتدّ إلیهم‌ من‌ آمن‌ الفقراء وهم‌ أكثر السابقين‌ الاوّلين‌ .

    جاء هذا التفصيل‌ للمحرّمات‌ بعد قوّة‌ الإسلام ‌، وتوسعة‌ الله‌ علی‌ أهله‌ وإعزازهم‌، وبعد أن‌ يئس‌ المشركون‌ بذلك‌ من‌ نفور أهله‌ منه‌ وفرارهم‌ من‌ تكإلیفه‌، وزال‌ طمعهم‌ في‌ الظهور علیهم‌، وإزالة‌ دينهم‌ بالقوّة‌ القاهرة‌. فكان‌ المؤمنون‌ أجدر بأن‌ لا يبالوهم‌ بمداراتهم‌، وأن‌ لا يخافوهم‌ علی‌ أنفسهم‌ وعلی‌ دينهم‌ .

    فالله‌ سبحانه‌ يخبر المؤمنين‌ في‌ هذه‌ الآية‌ أنَّ الكفّار أنفسهم‌ قد يئسوا من‌ زوال‌ دينهم‌ وأنـّه‌ ينبغي‌ لهم‌ ـوقد بدّلهم‌ بضعفهم‌ قوّة‌، وبخوفهم‌ أمناً، وبفقرهم‌ غني‌ـ أن‌ لا يخشوا غيره‌ تعإلی‌، [وينتهوا عن‌ تفاصيل‌ المحرّمات‌ التي‌ نهي‌ الله‌ عنها في‌ الآية‌، ففيها كمال‌ دينهم‌ ] .
    إنَّ هذا القائل‌ أراد الجمع‌ بين‌ عدّة‌ من‌ الاحتمالات‌ المذكورة‌ ليدفع‌ بكلّ احتمال‌ ما يتوجّه‌ إلی‌ الاحتمال‌ الآخر من‌ الإشكال‌ . فتورّط‌ بين‌ المحاذير برمّتها وأفسد لفظ‌ الآية‌ ومعناها جميعاً .

    أوّلاً: غفل‌ عن‌ أنَّ المراد بإلیأس‌ إن‌ كان‌ هو إلیأس‌ المستند إلی‌ ظهور الإسلام وقوّته‌، وهو ما كان‌ بفتح‌ مكّة‌ أو بنزول‌ آيات‌ سورة‌ براءة‌ وقراءتها علی‌ المشركين‌ في‌ عقبة‌ مني‌ من‌ فبل‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، لم‌يصحّ أن‌ يقال‌ يوم‌ عرفة‌ من‌ السنة‌ العاشرة‌: إلیوم‌ يئس‌ الذين‌ كفروا من‌ دينكم‌. وقد كانوا يئسوا قبل‌ ذلك‌ بسنة‌ أو سنتين‌ . وإنّما ينبغي‌ أن‌ يقال‌: قَدْ يَئِسُوا، أو إنَّهُمْ آئِسُونَ .

    ثانياً: وغفل‌ عن‌ أنَّ هذا التدرّج‌ الذي‌ ذكره‌ في‌ محرّمات‌ الطعام‌، وقاس‌ تحريمها بتحريم‌ الخمر، إن‌ أُريد به‌ التدرّج‌ من‌ حيث‌ تحريم‌ بعض‌ الافراد بعد بعض‌، فلا يصحّ . لانَّ هذه‌ الآية‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ لاتشتمل‌ علی‌ أزيد ممّا تشتمل‌ علیه‌ آيات‌ البقرة‌، والانعام‌، والنحل‌، من‌ محرّمات‌ الطعام‌ . وأنَّ الْمَوْقُوذَة‌، و الْمُنْخَنِقَة‌، و الْمُتَرَدِّيَة‌، و النَّطِيحَة‌، و مَآ أَكَلَ السَّبُع‌ هي‌ من‌ أفراد الميتة‌ التي‌ جاءت‌ حرمتها في‌ آيات‌ تلك‌ السور. وَمَا ذُبِحَ علی‌' النُّصُبِ وَأَن‌ تَسْتَقْسِمُوا بِالاْزْلاَمِ من‌ مصاديق‌ وأفراد مَآ

    أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَهِ بِهِ في‌ سورة‌ النحل‌ . وهذه‌ الآية‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ لاتبيّن‌ شيئاً أكثر ممّا تبيّنه‌ آيات‌ السور الثلاث‌ من‌ حيث‌ تعداد المحرّمات‌.

    وإن‌ أُريد التدرّج‌ من‌ حيث‌ البيان‌ الإجمإلی‌ّ والتفصيلي‌ّ، إذ ذكره‌ الله‌ إجمالاً أوّلاً، ثمّ فصّله‌ ثانياً خوفاً من‌ امتناع‌ الناس‌ من‌ القبول‌، فلايصحّ أيضاً. لانَّ مصاديق‌ وأفراد المحرّمات‌ التي‌ تدخل‌ تحت‌ عنوان‌ الميتة‌، ولحم‌ الخنزير، والدم‌، وما أُهلّ به‌ لغير الله‌، والتي‌ جاءت‌ في‌ السور الثلاث‌ النازلة‌ قبل‌ سورة‌ المائدة‌، هي‌ أكثر من‌ المحرّمات‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ المائدة‌، وابتلاء الناس‌ بها أكثر من‌ أمثال‌ الْمُنْخَنِقَة‌، الْمَوْقُوذَة‌، و الْمُتَرَدِّيَة‌، و النَّطِيحَة‌، و مَآ أَكَلَ السَّبُع‌، لانـّها أُمور نادرة‌ التحقّق‌، والناس‌ ـعادة‌ـ لا يقتلون‌ ذبائحهم‌ بالخنق‌، أو الإرداء، أو الوقذ، أو النطح‌. نعم‌، لو قدّر وقوع‌ هذه‌ الاشياء، لما رأي‌ الناس‌ بأساً في‌ أكلها. وحينئذٍ كيف‌ يصرّح‌ الله‌ بحرمة‌ هذه‌ الاشياء الاربعة‌: الميتة‌، والدم‌، ولحم‌ الخنزير، وما أُهلّ لغير الله‌ به‌، وهي‌ تقع‌ أكثر ولها أهميّة‌ كبري‌، يصرّح‌ بحرمتها من‌ غير خوف‌ يظهر بين‌ الناس‌، ويذكر أشياء غير مهمّة‌ قلّما تطرأ علی‌ سبيل‌ التقيّة‌، ويحرّمها تدريجاً لئلاّ يعرض‌ الناس‌ عن‌ الدين‌ ؟

    وثالثاً: علی‌ فرض‌ التسليم‌، فإنَّ تشريع‌ الاحكام‌ وبالاخصّ تشريع‌ بعضها ليس‌ إكمالاً للدين‌ . وفي‌ هذا الفرض‌ يجب‌ أن‌ يقال‌: إلیوم‌ أكملت‌ لكم‌ بعض‌ دينكم‌ وأتممت‌ علیكم‌ بعض‌ نعمتي‌ .

    وروابعاً: كيف‌ خصّ الله‌ يوم‌ عرفة‌ بتشريع‌ عدد من‌ أحكام‌ المنخنقة‌ والموقوذة‌ فيه‌ وسمّي‌ بيان‌ حرمتها إكمالاً للدين‌ وإتماماً للنعمة‌، مع‌ تشريعه‌ أحكاماً وقوانين‌ كثيرة‌ في‌ أيّام‌ أُخري‌ ؟ هنا موضع‌ تأمّل‌ .

    ويمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ المراد بإكمال‌ الدين‌ إكماله‌ بسدّ باب‌ التشريع‌ بعد هذه‌ الآية‌ المبيّنة‌ لتفصيل‌ محرّمات‌ الطعام‌، فلم‌ ينزل‌ حكماً آخر، ولذلك‌ كمل‌ الدين‌ .

    وهنا يجب‌ أن‌ نقول‌: ما شأن‌ الاحكام‌ النازلة‌ ما بين‌ نزول‌ سورة‌ المائدة‌ ووفاة‌ رسول‌ الله‌ ؟ بل‌ ما شأن‌ سائر الاحكام‌ النازلة‌ بعد هذه‌ الآية‌ في‌ سورة‌ المائدة‌ ؟

    يتبع...



    عدل سابقا من قبل في الأحد 23 سبتمبر 2007 - 23:20 عدل 1 مرات
    72fifi
    72fifi

    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Default6


    انثى
    عدد الرسائل : 3347
    البلد : الجزائر ( المنيعة)
    العمل/الترفيه : الانترانت
    نسبة النشاط :
    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Left_bar_bleue50 / 10050 / 100ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Right_bar_bleue

    السٌّمعَة : 2
    تاريخ التسجيل : 10/01/2007

    بطاقة الشخصية
    نقاط التميز: 170
    الأوسمة:

    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Empty رد: ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟

    مُساهمة من طرف 72fifi السبت 22 سبتمبر 2007 - 12:49

    [size=29]

    وبعد ذلك‌ كلّه‌: ما معني‌ قوله‌ تعإلی‌: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا ؟ لانَّ تقديره‌: إلیومَ وَرَضِيتُ . ولو كان‌ المراد بهذه‌ الآية‌ الامتنان‌ علی‌ الناس‌ بما ذكر من‌ محرّمات‌ الطعام‌ يوم‌ عرفة‌، فما وجه‌ اختصاص‌ هذا إلیوم‌ بأنَّ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ رضي‌ فيه‌ الإسلام ديناً ؟ لانـّه‌ لا أمر يختصّ به‌ إلیوم‌ ممّا يناسب‌ هذا الرضا .

    ويرد علی‌ هذا الاحتمال‌ أكثر الإشكالات‌ الواردة‌ علی‌ الوجوه‌ السابقة‌.
    استنباط‌ معني‌ إلیوم‌ من‌ الآية‌ نفسها إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ



    والآن‌ بعد أن‌ علمنا أنَّ هذه‌ الاحتمالات‌ المطروحة‌ حول‌ معني‌ إلیوم‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌ لا تصحّ، نقترب‌ إلی‌ القول‌ بأنـّنا نستطيع‌ أن‌ نتوفّر علی‌ معني‌ إلیوم‌ في‌ الآية‌ من‌ الآية‌ نفسها . ولتحقّق‌ هذا المعني‌ نقول‌ مستهلّين‌:

    إنَّ ما يستفاد من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ هو أنَّ الكافرين‌ كانوا يكيدون‌ للإسلام‌ منذ بزوغ‌ شمسه‌، وكانوا يعتزمون‌ اجتثاث‌ جذوره‌، ويتمنّون‌ زواله‌ منذ أيّامه‌ الاُولي‌ . وأمرهم‌ هذا هو الذي‌ كان‌ يسبّب‌ القلق‌ والمشاكل‌ للمسلمين‌ بأشكال‌ متنوّعة‌، ويظهر في‌ كلّ يوم‌ بشكل‌ أو بآخر . وكان‌ من‌ حقّ المؤمنين‌ أن‌ يحذروا منه‌ ويخشوه‌ .

    قال‌ تعإلی‌: وَدَّت‌ طَّآنءِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ.

    وقال‌: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ لَوْ يَرُدُّونَكُم‌ مِّن‌ بَعْدِ إِيمَـ'نِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم‌ مِّن‌ بَعْدِ مَا تَبَيِّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي‌' يَأْتِيَ اللَهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَهَ علی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

    والكفّار لم‌ يكونوا يتربّصون‌ الدوائر بالمسلمين‌ إلاّ لدينهم‌، ولم‌تكن‌ تضيق‌ صدورهم‌ وتنصدع‌ قلوبهم‌ إلاّ من‌ جهة‌ أنَّ الدين‌ كان‌ يذهب‌ بسؤددهم‌ وشرفهم‌، واسترسالهم‌ في‌ اقتراف‌ كلّ ما تهواه‌ طباعهم‌، وتألفه‌ وتعتاد به‌ نفوسهم‌، ويختم‌ علی‌ تمتّعهم‌ بكلّ ما يشتهون‌ بلا قيد وشرط‌.

    فقد كان‌ الدين‌ هو المبغوض‌ عندهم‌ دون‌ أهل‌ الدين‌ إلاّ من‌ جهة‌ دينهم‌ الحقّ . فلم‌ يكن‌ في‌ قصدهم‌ إبادة‌ المسلمين‌ وإفناء جمعهم‌ بل‌ إطفاء نورالله‌ وتحكيم‌ أركان‌ الشرك‌ المتزلزلة‌ المضطربة‌ به‌، وردّ المؤمنين‌ كفّاراً، كما قال‌ تعإلی‌:

    وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـ'تِلُونَكُمْ حَتَّي‌' يَرُدُّوكُمْ عَن‌ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَـ'عُوا.

    وقال‌ تعإلی‌: إِن‌ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَـ'بَ يَرُدُّوكُم‌ بَعْدَ إِيمَـ'نِكُمْ كَـ'فِرِينَ .

    وقال‌ تعإلی‌: يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُوا نَورَ اللَهِ بِأَفْوَ ' هِهِمْ وَاللَهُ مَتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ * هُوَ الَّذِي‌´ أَرْسَلَ رَسُولَهُ و بِالْهُدَي‌' وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ و علی‌ الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .

    وقال‌ تعإلی‌: فَادْعُوا اللَهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ.

    ولذلك‌ لم‌ يكن‌ للكفّار هَمٌّ إلاّ أن‌ يقطعوا هذه‌ الشجرة‌ الطيّبة‌ من‌ أصلها، ويهدموا هذا البيان‌ الرفيع‌ من‌ أُسّه‌ بتفتين‌ المؤمنين‌ وبثّ النفاق‌ في‌ جماعتهم‌، ونشر الشبهات‌ والخرافات‌ بينهم‌ لإفساد دينهم‌ .

    وقد كانوا يأخذون‌ بادي‌ الامر يفتّرون‌ عزيمة‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ ويستمحقون‌ همّته‌ في‌ الدعوة‌ الدينيّة‌ بالمال‌ والجاه‌، كما يشير إلیه‌ قوله‌ تعإلی‌: وَانْطَلَقَ الْمَلاَ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا واصْبِرُوا علی‌'´ ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَـ'ذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ. أو بمخالطة‌ أو مداهنة‌، كما يشير إلیه‌ قوله‌ تعإلی‌: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون‌.

    وقوله‌ تعإلی‌: وَلَوْلآ أَن‌ ثَبَّتْنَـ'كَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلیهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً.

    وكان‌ آخر ما يرجونه‌ في‌ زوال‌ الدين‌، وموت‌ الدعوة‌ المحقّة‌، أنـّه‌ سيموت‌ بموت‌ هذا القائم‌ بأمره‌ ولا عقب‌ له‌ . فإنَّ المشركين‌ كانوا يرون‌ النبوّة‌ حكومة‌ ورئاسة‌ في‌ صورة‌ النبوّة‌، وسلطنة‌ في‌ لباس‌ الدعوة‌ والرسالة‌. وكانوا يقولون‌: لو مات‌ لانقطع‌ أثره‌، ومات‌ ذكره‌، وذكر دينه‌ علی‌ ما هو المشهود عادة‌ من‌ حال‌ السلاطين‌ والجبابرة‌ أنـّهم‌ مهما بلغ‌ أمرهم‌ من‌ التعإلی‌ والتجبّر وركوب‌ رقاب‌ الناس‌، فإنَّ ذكرهم‌ يموت‌ بموتهم‌، وسننهم‌ وقوانينهم‌ الحاكمة‌ بين‌ الناس‌ تدفن‌ معهم‌ في‌ قبورهم‌ إلاّ أن‌ يكون‌ لهم‌ ولد يحفظ‌ من‌ بعدهم‌ الحكم‌ والسلطنة‌ والسنن‌ . ومحمّد الذي‌ لا عقب‌ له‌ علی‌ هذه‌ السيرة‌، سيموت‌ دينه‌ بموته‌ أو قتله‌ . ويشير إلی‌ رجائهم‌ هذا قوله‌ تعإلی‌: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ .

    فقد كانت‌ هذه‌ الاشياء وأمثالها أماني‌ تمكّن‌ الرجاء من‌ نفوسهم‌، وتطمعهم‌ في‌ إطفاء نور الدين‌، وتزيّن‌ لاوهامهم‌ أنَّ هذه‌ الدعوة‌ ليست‌ إلاّ أُحدوثة‌ ستقضي‌ علیها المقادير ويعفو أثرها مرور الليإلی‌ والايّام‌ .

    لكنَّ ظهور الإسلام تدريجاً، وانتشار صيته‌، واعتلاء كلمته‌ بالشوكة‌ والقوّة‌ قضي‌ علی‌ هذه‌ الاماني‌ . ذلك‌ أنـّهم‌ لم‌ يستطيعوا أن‌ يزعزعوا عزيمة‌ النبي‌ّ، ويوقفوا همّته‌ بالمال‌ والجاه‌ اللذين‌ كانا يعرضانهما علیه‌ .

    قوّة‌ الإسلام وشوكته‌ أيأستهم‌ من‌ جميع‌ تلك‌ الاسباب‌، إلاّ واحداً، وهو أنَّ محمّداً صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ مقطوع‌ العقب‌، لا ولد له‌ يخلفه‌ في‌ أمره‌، ويقوم‌ علی‌ ما قام‌ علیه‌ من‌ الدعوة‌ الدينيّة‌، فستموت‌ دعوته‌ بموته‌.

    لانـّه‌ من‌ البديهي‌ّ أنَّ كمال‌ الدين‌ من‌ جهة‌ أحكامه‌ ومعارفه‌، وإن‌ بلغ‌ ما بلغ‌، لا يقوي‌ بنفسه‌ علی‌ حفظ‌ نفسه‌، وأنَّ أيّة‌ سنّة‌ من‌ السنن‌ الإلهيّة‌ والاديان‌ المتّبعة‌ لا تبقي‌ علی‌ نضارتها وصفائها، لا بنفسها ولابانتشار صيتها، ولا بكثرة‌ المنتحلين‌ والاتباع‌، كما أنـّها لا تنمحي‌ ولاتنطمس‌ بقهر أو جبر أو تهديد أو فتنة‌ أو عذاب‌ إلاّ بموت‌ حملتها وحفظتها والقائمين‌ بتدبير أمرها .

    ومن‌ جميع‌ ما تقدّم‌، يظهر أنَّ تمام‌ يأس‌ الكفّار إنّما يتحقّق‌ عندما ينصّب‌ الله‌ لهذا الدين‌ من‌ يقوم‌ مقام‌ النبي‌ّ في‌ حفظه‌ وتدبير أمره‌، وإرشاد الاُمّة‌ القائمة‌ به‌ .

    وفي‌ هذه‌ الحالة‌ التي‌ شاهد فيها الكفّار انتقال‌ الدين‌ من‌ مرحلة‌ القيام‌ بالحامل‌ الشخصي‌ّ إلی‌ مرحلة‌ القيام‌ بالحامل‌ النوعي‌ّ، وتحوّله‌ من‌ صفة‌ الحدوث‌ إلی‌ صفة‌ البقاء في‌ مراحل‌ كماله‌، سيطر إلیأس‌ علی‌ وجودهم‌ كلّه‌. وهذا هو إكمال‌ الدين‌ وإتمام‌ النعمة‌ .

    وليس‌ ببعيد أن‌ يكون‌ قوله‌ تعإلی‌: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـ'بِ لَوْ يَرُدُّونَكُم‌ مِّن‌ بَعْدِ إِيمَـ'نِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم‌ مِّن‌ بَعْدِ مَا تَبَيِّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي‌' يَأْتِيَ اللَهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَهَ علی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، باشتماله‌ علی‌ قوله‌ حَتَّي‌' يَأْتِيَ اللَهُ بِأَمْرِهِ إشارة‌ إلی‌ هذا المعني‌ . أي‌: أنَّ أمر الله‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ يأتي‌، ويخرج‌ المؤمنون‌ من‌ طمع‌ الكفّار، هو ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ التي‌ سيثبت‌ الدين‌ بواسطتها.

    وهذا يؤيّد ما ورد من‌ الروايات‌ أنَّ الآية‌ نزلت‌ يوم‌ غدير خمّ، وهو إلیوم‌ الثامن‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌ سنة‌ عشر من‌ الهجرة‌ في‌ ولاية‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌. ولذلك‌ ترتبط‌ الفقرتان‌ إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ و إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ أوضح‌ الارتباط‌، ولايرد علی‌ هذا الوجه‌ شي‌ء من‌ الإشكالات‌ المتقدّمة‌.

    ولمّا عُلِمَ معني‌ إلیأس‌ في‌ الآية‌، يتسنّي‌ لنا أن‌ نعرف‌ أنَّ إلیومَ ظرف‌ متعلّق‌ بقوله‌: يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا . وأنَّ التقديم‌ للدلالة‌ علی‌ تفخيم‌ أمر إلیوم‌ وتعظيم‌ شأنه‌، لما فيه‌ من‌ خروج‌ الدين‌ من‌ مرحلة‌ القيام‌ بالقيّم‌ الشخصي‌ّ إلی‌ مرحلة‌ القيام‌ بالقيّم‌ النوعي‌ّ ؛ ومن‌ صفة‌ الظهور والحدوث‌ إلی‌ صفة‌ البقاء والدوام‌.

    الآية‌ الكريمة‌ إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ تبيّن‌ حكماً خارجيّاً وتكوينيّاً يشتمل‌ علی‌ البشري‌ من‌ وجه‌، والتحذير من‌ وجه‌ آخر، ويدلّ علی‌ تعظيم‌ أمر إلیوم‌ لاشتماله‌ علی‌ خير عظيم‌ الجدوي‌، وهو يأس‌ الذين‌ كفروا من‌ دين‌ المؤمنين‌ . والمراد بالذين‌ كفروا مطلق‌ الكفّار من‌ يهود ونصاري‌ ووثنيّين‌ ومجوس‌، لإطلاق‌ اللفظ‌ .

    يتبع...

    [/size]
    72fifi
    72fifi

    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Default6


    انثى
    عدد الرسائل : 3347
    البلد : الجزائر ( المنيعة)
    العمل/الترفيه : الانترانت
    نسبة النشاط :
    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Left_bar_bleue50 / 10050 / 100ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Right_bar_bleue

    السٌّمعَة : 2
    تاريخ التسجيل : 10/01/2007

    بطاقة الشخصية
    نقاط التميز: 170
    الأوسمة:

    ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟ Empty رد: ما هو المراد بإليوم‌ في‌ آية‌ الإكمال‌ ؟

    مُساهمة من طرف 72fifi السبت 22 سبتمبر 2007 - 12:51



    المراد من‌ خشية‌ الله‌، الخوف‌ في‌ مقام‌ الولاية‌
    وأمّا النهي‌ في‌ قوله‌: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ فهو نهي‌ إرشادي‌ّ لامولوي‌ّ. ومعناه‌ أن‌ لا موجب‌ للخشية‌ بعد يأس‌ الكفّار الذين‌ كنتم‌ في‌ معرض‌ الخطر من‌ قبلهم‌ ؛ لانـّه‌ من‌ المعلوم‌ أنَّ الإنسان‌ لا يهمّ بأمر بعد تمام‌ إلیأس‌ من‌ الحصول‌ علیه‌ ولا يسعي‌ إلی‌ ما يعلم‌ أنـّه‌ خطأ . فأنتم‌ أيّها المسلمون‌ في‌ أمن‌ من‌ ناحية‌ الكفّار، ولا ينبغي‌ لكم‌ مع‌ ذلك‌ الخشية‌ منهم‌ علی‌ دينكم‌ ! فلا تخشوهم‌ علی‌ دينكم‌ واخشوني‌ !

    بمقتضي‌ سياق‌ الآية‌: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ يظهر أنَّ المراد بقوله‌: وَاخْشَونِ، أن‌ اخشوني‌ فيما كان‌ علیكم‌ أن‌ تخشوهم‌ فيه‌ لولا يأسهم‌ . وهو الدين‌ ونزعه‌ من‌ أيديكم‌ ؛ وهذا نوع‌ من‌ الخشية‌ الخاصّة‌ .

    أي‌: علیكم‌ أن‌ تخشوني‌ في‌ الدين‌ ونزعه‌ من‌ أيديكم‌ . وهذا نوع‌ تهديد للمخاطبين‌، ولهذا لم‌ نحمل‌ الآية‌ علی‌ الامتنان‌ .

    ويؤيّد ما ذكرنا أنَّ الخشية‌ من‌ الله‌ واجبة‌ علی‌ أي‌ّ تقدير من‌ غير أن‌ تتعلّق‌ بوضع‌ دون‌ وضع‌، وظرف‌ دون‌ ظرف‌ . ولو لم‌ تكن‌ خشية‌ خاصّة‌ في‌ وضع‌ خاصّ، فلا وجه‌ للإضراب‌ من‌ قوله‌: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ إلی‌ قوله‌: وَاخْشَونِ . فهذه‌ الآية‌ تأمر بخشية‌ خاصّة‌ غير الخشية‌ العامّة‌ التي‌ تجب‌ علی‌ المؤمن‌ علی‌ كلّ تقدير، وفي‌ جميع‌ الاحوال‌ لا تخلو من‌ نوع‌ من‌ التحذير والتهديد. فلننظر ما هي‌ خصوصيّة‌ هذه‌ الخشية‌ ؟ وما هو السبب‌ الموجب‌ لوجوبها والامر بها في‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ ؟

    لا شكّ أنَّ هاتين‌ الفقرتين‌ من‌ الآية‌، أعني‌ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ، وقوله‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ مرتبطتان‌ مسوقتان‌ لغرض‌ واحد، كما أشرنا من‌ قبل‌ . فالدين‌ الذي‌ أكمله‌ الله‌ ذلك‌ إلیوم‌، والنعمة‌ التي‌ أتمّها ـوهما أمر واحد بحسب‌ الحقيقة‌ـ هو الذي‌ كان‌ يطمع‌ فيه‌ الكفّار ويخشاهم‌ فيه‌ المؤمنون‌، فأيأسهم‌ الله‌ منه‌، وأكمله‌ وأتمّه‌ للمؤمنين‌، ونهاهم‌ عن‌ أن‌ يخشوهم‌ فيه‌.

    فالشي‌ء الذي‌ أمر الله‌ المؤمنين‌ بالخشية‌ من‌ نفسه‌ فيه‌ هو ذاك‌ بعينه‌ الذي‌ أكمله‌ الله‌ وأتمّه‌ . والخشية‌ من‌ الله‌ فيه‌ تتمثّل‌ في‌ أن‌ ينزع‌ الله‌ الدين‌ من‌ أيديهم‌، ويسلبهم‌ هذه‌ النعمة‌ الموهوبة‌.

    ونعلم‌ أنَّ الله‌ بيّن‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ أن‌ لا سبب‌ لسلب‌ النعمة‌ إلاّ الكفر بها، وهدّد الكفور أشدّ التهديد، فقال‌ جلّ من‌ قائل‌: ذَ ' لِكَ بِأَنَّ اللَهَ لَمْيَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا علی‌' قَوْمٍ حَتَّي‌' يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَهَ سَمِيعٌ علیمٌ.

    وقال‌ تعإلی‌: وَمَن‌ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَهِ مِن‌ بَعْدِ مَا جَإتْهُ فَإِنَّ اللَهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

    وضرب‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ مثلاً عامّاً لنعمه‌ التي‌ ينعم‌ بها علی‌ عباده‌، وما يؤول‌ إلیه‌ أمر الكفر بها، فقال‌: وَضَرَبَ اللَهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَنءِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن‌ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَهِ فَأَذَ ' قَهَا اللَهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.

    وفي‌ ضوء ما قيل‌ فإنَّ قوله‌: إلیومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ إلی‌ قوله‌: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا يؤذن‌ بأنَّ المسلمين‌ في‌ أمن‌ من‌ جهة‌ الكفّار وهم‌ مصونون‌ من‌ الخطر المتوجّه‌ من‌ قبلهم‌، وأنـّهم‌ لايتسرّب‌ إلیهم‌ شي‌ء من‌ الفساد والهلاك‌ إلاّ من‌ قبل‌ المسلمين‌ أنفسهم‌ . وأنَّ ذلك‌ إنَّما يكون‌ بكفرهم‌ بهذه‌ النعمة‌ التامّة‌ ورفضهم‌ هذا الدين‌ الكامل‌. وحينئذٍ يسلبهم‌ الله‌ نعمته‌ ويغيّرها إلی‌ النقمة‌ ؛ ويذيقهم‌ لباس‌ الجوع‌ والخوف‌.

    أجل‌ قد فعل‌ المسلمون‌ ذلك‌ ففعل‌ الله‌ بهم‌ أيضاً . تغيّروا فغيّر الله‌ نعمته‌. ومن‌ أراد الوقوف‌ علی‌ مبلغ‌ صدق‌ هذه‌ الآية‌ وإخبارها بالغيب‌ المستفاد من‌ قوله‌ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِ، فعلیه‌ أن‌ يتأمّل‌ في‌ انحطاط‌ العالَم‌ الإسلام ي‌ّ هذا إلیوم‌، ثمّ يرجع‌ القهقري‌، فيتصفّح‌ التأريخ‌، ويحلّل‌ أحداثه‌ واحداً بعد الآخر حتّي‌ يحصل‌ علی‌ أُصول‌ القضايا وجذورها بعد وفاة‌ الرسول‌ الاعظم‌.


    الفرق‌ بين‌ الكمال‌ والتمام‌ في‌ كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌



    وبعد أن‌ عرفنا معني‌ إلیوم‌، علینا أن‌ نعرف‌ معني‌ الكمال‌ والتمام‌. قال‌ الراغب‌ الإصفهاني‌ّ في‌ « مفردات‌ القرآن‌ »: كَمَالُ الشَّي‌ءِ حُصُولُ مَا هُوَ الغَرَضُ مِنهُ ـ انتهي‌ . وقال‌: وَتَمَامُ الشَّي‌ءِ انْتِهَاؤُهُ إلی‌ حَدٍّ لاَ يَحْتَاجُ إلی‌ شَي‌ءٍ خَارِجٍ عَنهُ . وَالنَّاقِصُ مَا يَحتَاجُ إلی‌ شَي‌ءٍ خَارِجٍ عَنهُ ـانتهي‌.

    ونقول‌ لتوضيح‌ هذا المعني‌: آثار الاشياء علی‌ ضربين‌: ضرب‌ منها ما يترتّب‌ علی‌ الشي‌ء عند وجود جميع‌ أجزائه‌ بحيث‌ لو فقد شي‌ء من‌ أجزائه‌ أو شرائطه‌ لم‌ يترتّب‌ علیه‌ ذلك‌ الامر، كالصوم‌ فإنَّه‌ يفسد إذا أُخِلَّ بالإمساك‌ في‌ بعض‌ النهار، ويسمّي‌ كون‌ الشي‌ء علی‌ هذا الوصف‌ بالتمام‌. كقوله‌ تعإلی‌: ثُمَّ أَتِمُوا الصِّيَامَ إلی‌ إلیلِ.

    وقوله‌: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَصِدْقًا وَعَدْلاً .
    وضرب‌ آخر: الاثر الذي‌ يترتّب‌ علی‌ الشي‌ء من‌ غير توقّف‌ علی‌ حصول‌ جميع‌ أجزائه‌، بل‌ أثر المجموع‌ كمجموع‌ آثار الاجزاء. فكلّما وجد جزء ترتّب‌ علیه‌ من‌ الاثر ما هو بحسبه‌ . ولو وجد الجميع‌ ترتّب‌ علیه‌ كلّ الاثر المطلوب‌ منه‌، كقوله‌: فَمَن‌ لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـ'ثَةِ أَيَّامٍ فِي‌ الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ.

    ذلك‌ أنـّنا نعلم‌ أنَّ أثر الترتّب‌ علی‌ بعض‌ هذه‌ الايّام‌ لايتوقّف‌ علی‌ الاثر المترتّب‌ علی‌ المجموع‌ من‌ حيث‌ المجموع‌، وكلّ يوم‌ وحده‌ موضع‌ ترتّب‌ الاثر وصحّة‌ الصوم‌.

    ومن‌ هنا ينتج‌ أنَّ قوله‌ تعإلی‌: إلیومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌ يفيد أنَّ المراد بالدين‌ هو مجموع‌ المعارف‌ والاحكام‌ المشرّعة‌، وقد أُضيف‌ إلی‌ عددها إلیوم‌ شي‌ء ؛ وأنَّ النعمة‌ أمر معنوي‌ّ واحد كأنـّه‌ كان‌ ناقصاً غير ذي‌ أثر، فتمّ وترتّب‌ علیه‌ الاثر المتوقّع‌ منه‌.


    المراد من‌ النعمة‌ الولاية‌



    والنعمة‌ هي‌ ما يلائم‌ طبع‌ الشي‌ء من‌ غير امتناعه‌ منه‌. والاشياء وإن‌ كانت‌ بحسب‌ وقوعها في‌ نظام‌ التدبير متّصلة‌ مرتبطة‌ متلائمة‌، وأكثرها أو جميعها نِعم‌ إذا أُضيفت‌ إلی‌ بعض‌ آخر مفروض‌، كما قال‌ تعإلی‌: وَإِن‌ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَهِ لاَ تُحْصُوهَا.

    وقال‌: وَأَسْبَغَ علیكُمْ نِعَمَهُ و ظَـ'هِرَةً وَبَاطِنَةً.
    إلاّ أنـّه‌ تعإلی‌ وصف‌ بعضها بالشرّ والخسّة‌ واللعب‌ واللهو وأوصاف‌ أُخري‌ غيرممدوحة‌. كقوله‌: وَمَا هَـ'ذِهِ الْحَيَو'ةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الاْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
    وقوله‌: لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي‌ الْبِلَـ'دِ * مَتَـ'عٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَب'هُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.

    وهذه‌ الآيات‌ تدلّ علی‌ أنَّ هذه‌ الاشياء المعدودة‌ نعماً إنَّما تكون‌ نعمة‌ إذا وافقت‌ الغرض‌ الإلهي‌ّ من‌ خلقتها لاجل‌ الإنسان‌ . فإنَّها إنَّما خلقت‌ لتكون‌ إمداداً إلهيّاً للإنسان‌ يتصرّف‌ فيها في‌ سبيل‌ سعادته‌ الحقيقيّة‌ وهي‌ القرب‌ منه‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ بالعبوديّة‌ والخضوع‌ لربوبيّته‌ العزيزة‌.

    قال‌ تعإلی‌: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ.
    فكلّ ما تصرّف‌ فيه‌ الإنسان‌ للسلوك‌ به‌ إلی‌ حضرة‌ القرب‌ من‌ الله‌ وابتغاء مرضاته‌ فهو نعمة‌ . وإن‌ انعكس‌ الامر عاد نقمة‌ في‌ حقّه‌.

    وعلی‌ هذا فالاشياء في‌ نفسها بدون‌ ملاحظة‌ هاتين‌ الجهتين‌، لانعمة‌، ولانقمة‌. وإنَّما هي‌ نعمة‌ لاشتمالها علی‌ روح‌ العبوديّة‌، ودخولها من‌ حيث‌ التصرّف‌ المذكور تحت‌ ولاية‌ الله‌ التي‌ هي‌ تدبير الربوبيّة‌ لشؤون‌ العبد. ولازمه‌ أنَّ النعمة‌ بالحقيقة‌ هي‌ الولاية‌ الاءلهيّة‌ . وأنَّ الشي‌ء إنَّما يصير نعمة‌ إذا كان‌ مشتملاً علی‌ شي‌ء منها، وهي‌ العبوديّة‌.

    قال‌ تعإلی‌: اللَهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلی‌ النُّورِ.
    وقال‌: ذَ ' لِكَ بِأَنَّ اللَهَ مَوْلَي‌ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَـ'فِرِينَ لاَمَوْلَي‌' لَهُمْ.
    وقال‌ في‌ حقّ ولاية‌ رسوله‌:

    فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّي‌' يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُوا فِي‌´ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

    لذلك‌، فالإسلام ‌، وهو مجموع‌ ما نزل‌ من‌ عند الله‌ ليعبده‌ به‌ عباده‌، دين‌. وهو من‌ جهة‌ اشتماله‌ ـمن‌ حيث‌ العمل‌ به‌ـ علی‌ ولاية‌ الله‌ وولاية‌ رسوله‌ وأولياء الامر بعده‌ نعمة‌.

    ولا تتمّ ولاية‌ الله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌، أي‌: تدبيره‌ بالدين‌ لاُمور عباده‌، إلاّ بولاية‌ رسوله‌، ولا ولاية‌ رسوله‌ إلاّ بولاية‌ أُولي‌ الامر من‌ بعده‌.

    وتدبير أُولي‌ الامر للشؤون‌ الدينيّة‌ بإذن‌ من‌ الله‌، كما قال‌ عزّ من‌ قائل‌:

    يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ.

    وقال‌ أيضاً: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَهُ وَرَسُولُهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَو'ةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَو'ةَ وَهُمْ رَ ' كِعُونَ.
    ونحن‌ تحدّثنا بالتفصيل‌ عن‌ تفسير هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ في‌ الدرس‌ الثاني‌ والسبعين‌ إلی‌ الدرس‌ الخامس‌ والسبعين‌ من‌ دروس‌ الجزء الخامس‌ من‌ كتابنا هذا.

    وحاصل‌ القول‌ في‌ تفسير الآية‌ التي‌ هي‌ موضع‌ بحثنا: إلیومَ وهو إلیوم‌ الذي‌ يئس‌ فيه‌ الذين‌ كفروا من‌ دينكن‌، أَكْمَلْتُ لَكُمْ مجموعة‌ المعارف‌ الدينيّة‌ التي‌ أنزلها إلیكم‌ بفرض‌ الولاية‌، و أَتْمَمْتُ علیكُمْ نِعْمَتِي‌، وهي‌ الولاية‌ التي‌ تمثّل‌ إدارة‌ شؤون‌ الدين‌ وتدبيرها تدبيراً إلهيّاً. فإنَّها كانت‌ إلی‌ إلیوم‌ ولاية‌ الله‌ ورسوله‌، وهي‌ إنّما تكفي‌ ما دام‌ الوحي‌ ينزل‌، ولاتكفي‌ لما بعد ذلك‌ من‌ زمان‌ انقطاع‌ الوحي‌. فلارسول‌ بين‌ الناس‌ يحمي‌ دين‌ الله‌ ويذبّ عنه‌. والواجب‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ أن‌ ينصّب‌ من‌ يقوم‌ بذلك‌، وهو ولي‌ّ الامر بعد رسول‌ الله‌ القيّم‌ علی‌ أُمور الدين‌ والاُمّة‌.

    فالولاية‌ في‌ زمن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ مشروعة‌ واحدة‌ كانت‌ ناقصة‌ غير تامّة‌ حتّي‌ إذا تمّت‌ بنصب‌ ولي‌ّ الامر بعد النبي‌ّ.

    وعلی‌ هذا، يكون‌ المعني‌ كالآتي‌: إذا كمل‌ الدين‌ في‌ تشريعه‌، وتمّت‌ نعمة‌ الولاية‌ فقد رضيت‌ لكم‌ من‌ حيث‌ الدين‌ الإسلام الذي‌ هو دين‌ التوحيد الذي‌ لايعبد فيه‌ إلاّ الله‌، ولا يطاع‌ فيه‌ إلاّ الله‌، ومَن‌ أمر بطاعته‌ من‌ رسول‌ أو ولي‌ّ.

    فهذه‌ الآية‌ تنبي‌ عن‌ أنَّ المؤمنين‌ إلیوم‌ في‌ أمن‌ بعد خوفهم‌، وأنَّ الله‌ رضي‌ لهم‌ أن‌ يتديّنوا بالإسلام الذي‌ هو دين‌ التوحيد. فعلیهم‌ أن‌ يعبدوه‌ ولايشركوا به‌ شيئاً بطاعة‌ غير الله‌ أو من‌ أمر بطاعته‌.[/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 23 نوفمبر 2024 - 3:57