فلسفة نقض العهد

الفلسفة التي تكمن وراء ذلك قوله تعالى : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة
ٍ ) البقرة : 96 , يريدون أن يضربوا لأنفسهم جذورا ً في البقاء مهما
كانت الوسائل , ومهما كانت النتائج , ومهما كانت الذرائع , فإنهم يرون أن
الغاية تبرر الوسيلة فغايتهم العظـمى
أن يخلدوا في الأرض ( قل إن الموت الذين تفرون منه ُ فإنه ملاقيكم )
الجمعة : 8
ومع ذلك لم يلتزموا بميثاق الله ولا عهده , فنقضوا ميثاق الشريعة
الموسوية فسفكوا دماء بعضهم , واعتدوا على أموال بعضهم , وعلى بيوت بعض
ولم يلتزموا من خلال الميثاق بالصلاة ولا بالزكاة كما أخذ الله عليهم
الميثاق في الآية السابقة :
( وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ً
وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حُسنا ً وأقيموا الصلاة
وءاتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا ً منكم ) البقرة: 83
فأخذ عليهم ميثاق الصلاة والزكاة , فحرفوا الصلاة , واحتالوا على
الزكاة , فكانوا لا يأخذون من الدين إلا ما يوافق أهوائهم
( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) البقرة : 85 , وهذه صفة أخرى من
صفاتهم , ومن توابع التزامهم بميثاق الله في الشريعة فلم يلتزموا
بميثاق الله تعالى وعهده في الشريعة , ولم يلتزموا ميثاق الله وعهده في
التوحيد , ولا في العقيدة , ولم يلتزموا ميثاق الله تعالى والوفاء
بالعهود مع النبي (ص) وهو (ص) لما دخل المدينة المنورة حالفهم وأدخلهم في
أمته , فجعلهم أمة واحدة مع
المؤمنين في الميثاق الطويل , أي الوثيقة التي كتبها النبي (ص) في تأسيسه
المجتمع المدني والدولة الإسلامية الأولى

النقض الأول مع النبي

فأدخلهم (ص) في مفهوم الأمة , تكرم عليهم , فأدخلهم مع كفرهم بأمر الله
تعالى , ولكنهم لم يلتزموا بعهد الله تعالى , فكان أول نقض
من العهود التي عاهدوا بها النبي (ص) ذلك العهد الذي نقضته بنو قينقاع
لما دخلت المرأة المسلمة المحتجبة المحتشمة المتنقبة
لما دخلت سوق بني قينقاع اعتدى عليها اليهود , فثارت ثائرة النبي (ص)
غضبا ً لله , فحاصرهم ثم أجلاهم

النقض الثاني

وأما النقض الثاني فكان في السنة الرابعة على يد بن النضير , وذلك أنهم
أرادوا أن يغدروا بالنبي (ص) وأن يلقوا عليه صخرة من فوق أحد أسطح دورهم
فجاءه الوحي فأخبره بذلك , فخرج من عندهم مسرعا ًإلى مسجده إلى المدينة
المنورة , وأخبر المسلمين بما
أخبره به الوحي ثم إنه (ص) أخرجهم من المدينة بعدما حاصرهم , وقد ذكر
ذلك البيان الإلهي :
( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم
أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم
يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرُعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين
فاعتبروا يا أولي الأبصار ) الحشر:2 , فالنبي (ص) لم يوادعهم ولم
يسالمهم لما علم أن هذا شأنهم , وأنهم اعتدوا على عهد الله , وميثاق الله
تعالى , فهبطوا إلى
مستوى الدواب وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في حقهم , ونزلت فيهم الآية :
( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون , الذين عاهدت منهم
ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ) الأنفال : 56
وما الجواب ؟ ابق معهم على العهود والمواثيق ؟! جالسهم على موائد
الحوار ؟!
الجواب : ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم – نكل بهم وشردهم حتى يخاف من
خلفهم , ومن ورائهم , فيتشردون هم أيضا ً ويفرون ويبتعدون عنك – من خلفهم
لعلهم يذكرون ) الأنفال : 57
فقاتلهم و ( وجاهدهم به جهادا ً كبيرا ً ) الفرقان : 52 , إلى آخر
درجات الجهاد , إلى درجة أن تجتثهم من جذورهم , هم ومن ورائهم هذا حكم
الله تعالى فيهم , لما ظهرت الآيات البينات على نقضهم العهود والمواثيق

النقض الثالث

وفي السنة التي بعدها في عام الخندق , وبعد غزوة الخندق , ينقض بنو قريظة
العهد مع النبي (ص) ذلك ديدنهم , وذلك شأنهم , فحاصرهم (ص) حصارا ً شديدا
ً حتى نزلوا على عهده وعلى حكمه (ص) شريطة أن يحكم فيهم مولاهم سعد بن
معاذ , وكان حليفا ً لهم ولاء حلف فقال النبي (ص) أترضون حكمه ؟
قالوا : نعم يا محمد وما كان من حكم بن معاذ رضي الله عنه إلا أن
قال :
إني أحكم أن تقتل المقاتلة ُ , وأن تسبى الذرية (1) فحفر لهم النبي (ص)
حفرة عظيمة كالخندق (ص) ونفذ فيهم الحكم
ولما وصل دور حيي بن أخطب , قال للرسول : أبى الله إلا تمكينك مني , أما
والله ما لمت نفسي في عداواتك , ولكنه من يخذل الله
يُخذل ثم التفت إلى بني إسرائيل وقال : أيها الناس إنه لا بأس بأمر
الله , كتاب ٌ وقدرٌ وملحمة ٌ ( أي كُتب على بني إسرائيل (2) فهم
يعلمون أن الملحمة قد كتبت عليهم , وأن ميثاق الله تعالى قد كتب عليهم :
أنهم يقاتلون ويشردون على أيدي المؤمنين في آخر الزمان , كما أتت به
الآثار عن النبي (ص) وبلغت رتبة التواتر
------------------------------------------------------------------
(1) البخاري , كتاب : الجهاد , باب : إذا نزل العدو على حكم رجل رقم
3043 مسلم , كتاب الجهاد والسير , باب : جواز قتال من نقض العهــــد
رقم : 1768
(2) السيرة النبوية , ابن كثير , 3/239 دار المعرفة السيرة النبوية , ابن
هشام , 3/252 دار القلم

تتبع نقض العهد بلا حدود